الغـــــــوص على اللؤلؤ
احتلّ الغوص على اللؤلؤ مكانته اللائقة في التراث الشعبي لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ فممارسة مهنة الغوص من أكثر المهن التي تبرز أصالة الإنسان في المجتمع الإماراتي؛ فالتضامن والتآزر والتكافل كلها كانت مفردات حاضرة في المجتمع آنذاك، وكانت هذه المفردات تمثّل نسَقًا اجتماعيًا لا يستثني أحدًا. فرحلة الغوص تمثّل نظامًا إداريًا تتوزّع فيه المسؤوليات في البحر وفي البرّ أيضًا.
الغوص على اللؤلؤ كما يقال هو نِفْط ذلك الزمن الجميل؛ فقد كان مصدر الدخل الأهمّ، والثروة الوحيدة، والدخل القوميّ للبلاد ، كيف لا وغالبية السكان في الإمارات يتركزون في المنطقة الساحلية للخليج العربي؛ هذا التوزيع جعل للبحر أثرًا فعالًا في حرف السكان، فصيد الأسماك ، والغوص على اللؤلؤ والتجارة وغيرها من الحرف والصناعات المرتبطة بالحياة البحرية عرفها ابن الإمارات وبرع فيها وورّثها لأولاده من بعده...
كيف يتكوّن اللؤلؤ؟ ومتى عرف الإماراتيون اللؤلؤ؟ ... ومن الرجال القائمون على رحلة الأمل والترقب والمشاق، وكيف كانت تتوزع المهام فيها ؟ ... وما الأدوات التي كان يستعان بها لإتمام عملية الغوص بنجاح؟ ها نحن نعيش في السطور القادمة معأشهر رحلة تراثية عرفها الإنسان الإماراتيّ.
كيف يتكوّن اللؤلؤ
" تتكون اللؤلؤة من جسم غريب أو ذرّة رمل أو ما شابه ذلك، تدخل إلى المحارة الصدفة؛ فيتأذّى منها الحيوان الرخو الذي يسكن داخل الصدفة؛ فيدافع عن نفسه بأن يفرز مادة لؤلؤية تجعل ذلك الجسم أملس ناعمًا مستديرًا تقريبًا حتّى لا يؤذيه حيث يكسوه بطبقات من إفرازه؛ فتتكون من جرّاء ذلك اللؤلؤة، وتكون جيدة على قوة إفراز الحيوان... السطح اللماع هو الذي يساعد على تكوين اللؤلؤة؛ فيعطيها الضوء اللازم" [1]
متى عُرف اللؤلؤ
عرف الخليجيون اللؤلؤ قبل الإسلام بقرون عدّة؛ وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: قال تعالى: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ* فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ " [الرحمن: 19-23]
قال تعالى: " وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [ فاطر : 12]
إذًا فقد عرف الخليجيون اللؤلؤ زينة وحرفة وصناعة... وهذا ما تؤكده أيضًا الدراسات العربية والأوروبية:
"عند ظهور الإسلام كانت حرفة الغوص- صناعة الغوص- التي عرفت في تلك المنطقة لأكثر من أربعة آلاف سنة، قد اكتسبت أهمية بالغة في الاقتصاد المحلي، وشكلت بجانب التجارة وصيد الأسماك مصدرًا للرزق على امتداد الشريط الساحليّ للإمارات....
الغوص على اللؤلؤ
إن أكثر من ألف وخمسمئة سفينة كانت تعمل في الغوص، وإنه كان يسهم ب 80% تقريبًا من الدخل القومي، حيث كان نحو 85% من مجموع القوى العاملة في الإمارات يعملون بصورة مباشرة أو غير مباشرة في هذا المجال، ولم يكن الغوص أحد مصادر الاقتصاد الإعاشي لسكان الإمارات فحسب، بل كان سببًا في نهضة اقتصادية واجتماعية عرفها أهل الإمارات قبل اكتشاف النفط واستغلاله اقتصاديًا ". [2]
" وقد ورد الحديث عن الغوص واللؤلؤ في الإمارات في كتابات الجغرافيين والبلدانيين والمؤرخين العرب والمسلمين ومنهم الإدريسي الذي كتب عن الغوص في الإمارات ذاكرًا أن جلفار كانت مركزًا هامًا من مراكز اللؤلؤ في القرن الثاني عشر الميلادي عام 1154 م... " [3]
الطاقم والمهام
العمل الجماعي، التنظيم ، الإدارة الفاعلة، تقسيم المهام، تحمل المسؤولية كلها مهارات تظهر واضحة جلية في رحلةالغوص على اللؤلؤ، يقوم مجموعة من الرجال بالكثير من المهام المتكاملة المنسجمة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى رحلة غوص ناجحة، من هؤلاء الرجال:
# النوخذة: ربان السفينة والمسؤول الأول والمباشر عن رحلة الغوص، وقد يكون في الغالب مالكًا لسفينة الغوص... ومن أهم السمات التي يجب أن يتمتع بها:
- أن يكون صاحب خبرة كبيرة في مجال عمله، كأن يكون قد عمل لفترة طويلة في مجال الغوص.
- أن يكون على علم ودراية بالأماكن التي يتواجد فيها اللؤلؤ( الهيرات).
- أن تتوافر لديه معرفة كافية بعلم الفلك؛ فعن طريق النجوم يعرف اتجاه السير؛ فيقود سفينته بنجاح.
- أن يمتلك شخصية قوية؛ ليستطيع إدارة العمل، والسيطرة على جميع العاملين في السفينة.
- أن يكون على علم بكل الأدوات الموجودة على ظهر السفينة، وطرق استخدامها.
- أن يمتلك أمر بيع اللؤلؤ المستخرج للتجار( الطواشين)، ولديه مصادره التي تعينه على البيع.
# المقدمي( المجدمي): رئيس البحارة، والمسؤول عن العمل في السفينة، والأمين على حاجاتها.
# الغيص( الغواص) : يغوص في البحر لجمع المحار.
# السيب يقوم بسحب الغيص من قاع البحر.
# الجلّاس( اليلاّس) يقوم بفتح المحار.
# السكوني: يمسك بدفّة السفينة ويستجيب لأوامر النوخذة في توجيه السفينة.
# النهّام ( النهيم) يغني لطاقم السفينة؛ فيخفف عنهم رحلة غربتهم، ويحفزهم على العمل.
أدوات الغوص
1. الفطام: مشبك يضعه الغواص على أنفه أثناء الغوص؛ حتى لا تتسرب المياه إلى جوفه.
2. الحصاة(الحجر- الثقل- البلد): يربط في رِجْل الغواص ؛ ليساعده على النزول إلى العمق المطلوب.
3. الشمشول: رداء أسود سميك يلبسه الغواص.
4. الخبط: قفاز جلدي لحماية أيدي الغواص.
5. الديين : كيس مغزول من خيوط غليظة، يعلقه الغواص في رقبته؛ ليضع فيه المحار الذي جمعه.
6. اليدا: الحبل المتصل بين الغواص والسيب.
7. المفلقة: الأداة التي يفتح بها المحار.
انتهت رحلات الغوص، ولم تنته ذكرياتها، فتراث الأجداد سيبقى خالدًا راسخًا ما بقيت الحياة.